Tuesday 25 July 2017

دعوة لالتقاط الأنفاس




أعلم أن البشر أهمّ من الحجر في شرع الله.. هكذا علّمنا القرآن الكريم: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل" البقرة آية 217، ولذلك فإنني ممن يذهبون إلى أن اختزال الجريمة الصهيونية التي تتم الآن في تهديد المسجد الأقصى وتغيير طبيعته أو السعي إلى هدمه، هو أمر غير مقبول، بل هو في نظري مساعدة للصهاينة كي يتمموا جريمتهم الكبرى في حق الشعب الفلسطيني وحق التراب الوطني الفلسطيني، وفي حق كل التراث الإنساني المعادي للعنصرية وللعدوان وللاحتلال.

ثم إن المرء حتما يتساءل: لماذا أقدمت الدولة الصهيونية على هذه الخطوة مستهدفة المسجد الأقصى في هذا التوقيت بالذات الذي بدأ فيه بريق تيارات الإسلام السياسي في الخفوت، وتحلحل فيه منطق تلك التيارات بعد أن انكشف ما فيه من ضعف وتلفيق، حتى بما في ذلك من ادعوا أنهم يمثلون الإسلام السياسي المستنير، وبدا فيه تعاون عربي وإقليمي ودولي لكسر شوكة الإرهاب المتأسلم وتقليم أظافره على النحو الذي نعيشه الآن؟!

لماذا في هذا التوقيت تتجه الدولة الصهيونية لإشعال فتيل بعينه يؤدي إلى إنعاش الأطروحة المتأسلمة، بدعوى تهدد المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى ومعراج الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم؟!

أظن أن الإجابة واضحة، وهي تحتمل أن تبدأ بأن الدولة الصهيونية لم تكن بعيدة أو بمعزل عن نشأة ذلك التيار وإنعاشه وتقوية شوكته حتى تنزل الأمة العربية وأقطارها إلى مستنقع الفتنة الدينية والمذهبية والطائفية، وهو مستنقع شديد القتامة والعمق، نزلت فيه أمم وشعوب من قبل، وظلت تقتتل مئات السنين حتى أهدرت طاقتها وتبددت مواردها على النحو المعروف تاريخيا.

والإجابة تحتمل أيضا أن نربط بين ما وصل إليه حال تلك التنظيمات الإرهابية المتأسلمة بعد الضربات التي طالتها، سواء في مصر بيد جيش مصر وشرطتها وبوعي من شعبها، أو في غيرها من البلاد العربية التي تصدت منفردة أو عبر تحالفات دولية لهذا الإرهاب، ومن ثم كان لا بد من حبل إنقاذ يلقى لتلك التنظيمات حتى يتم تسويغ منطقها من جديد، وليقال على الفور: توقفوا عن ضرب التنظيمات الإسلامية واذهبوا للتصدي للدولة الصهيونية التي تفعل ما تفعله للأقصى المبارك!

كما تحتمل الإجابة أيضا عمدا من الدولة الصهيونية لإحراج مصر تحديدا ووضع نظامها وحكومتها في خانة ضيقة، لأن الذي سيعلن وستتم الطنطنة الإعلامية والسياسية به، هو أن النظام في مصر لا بد أن يتخذ موقفا عمليا حاسما من التصرفات الإسرائيلية، ولا يكتفي بالشجب والإدانة أو بطلب ضبط النفس، ومن هذا الموقف العملي ترك الفرصة للتنظيمات الإرهابية في سيناء لفعل ما يمكن أن تفعله ضد الدولة الصهيونية! وأيضا أن تقوم الحكومة المصرية بتأجيل أي خلاف مع حركة حماس الإسلامية، بل وأن تسعى لتدعيمها بكل الإمكانيات، بما في ذلك السلاح، لكي تمكنها من التحرك ضد الصهاينة لتخفيف الضغط على المسجد الأقصى!

وربما تكون هناك تفسيرات أخرى أكثر دقة من هذا الذي أذهب إليه، ولكن ما أود أن أتوقف عنده وأن أدعو إليه هو أن نعود كقوى مدنية- في الشارع المصري خاصة والشارع العربي عامة- إلى وضع الصراع في نصابه الصحيح، ألا وهو أنه صراع بين حق الاستقلال والتحرر وبين العدوان والاحتلال.. وهو أنه صراع بين إرادة شعوب تريد التنمية والرفاهية وتنبذ العنف والحرب، وبين حركة استيطانية عنصرية استعمارية عدوانية استطاعت بالعدوان أن تستولي على أراضي غيرها وأن تستعين بظهيرها الاستعماري العالمي لتزداد تمكنا من هذا العدوان، ولكي تستمر فيه وتضرب عرض الحائط بالأعراف الإنسانية والقوانين الدولية وبعشرات من قرارات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية!

لا بد أن نلتقط أنفاسنا التي أنهكها الاشتباك مع تيارات التأسلم السياسي ومع الإجرام الإرهابي، وأنهكها الانصراف إلى فتح ملفات آن لها أن تحسم وتتم الاستفادة من دروسها، وعلى رأسها ملف الحراك السياسي في مصر منذ ثورة 1919 إلى يوليو 1952، ومن 1952 إلى يناير 2011، لأن الاشتباك حول أمور خلافية لن يجدي وسوف يزيد عمق الهوة بين مكونات العقل المصري.. وإذا ما التقطنا أنفاسنا وعدنا إلى قراءة متروية للخريطة في الإقليم فسوف نجد أن العدوان الصهيوني ما زال يشتد، وقد وجد في الصراع الديني والمذهبي والطائفي الذي غرقنا فيه وقودا يزيد من قوته ويخلي له المجال كي يفعل ما يريد وقتما يريد وكيفما يريد، دون أدنى خشية من أي رد فعل عربي أو إسلامي!

إنني أذهب إلى ضرورة ربط ما يحدث للمسجد الأقصى بالأساس الذي تقوم عليه مسألة الصراع العربي- الصهيوني.. وهو أنه صراع بين التحرر الوطني وبين الاستعمار الاستيطاني العنصري، بما في ذلك اتجاه هذا الاستعمار لاستئصال المقومات الحضارية والثقافية للوطن الذي يحتله.. لأن الصراع لم يكن ولا ينبغي أن يكون دينيا أو مذهبيا بحال من الأحوال.
                           

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 26 يوليو 2017.

No comments:

Post a Comment