Thursday 27 April 2017

للمرة الثانية.. كلام سيغضب جماعتنا




منذ عامين كتبت ونشرت هذه السطور حول الجماعة الصحفية، وقد جرت في النهر مياه بدرجة أو أخرى، وخوفًا من أن يظل آسنًا، أستأذن في أن أعيد نشرها لعل في نقابتنا والمجالس الرسمية، التي شكلت مؤخرًا من يقرأ ومن يهتم:

"مصادفة أن كنت وما زلت أدير منذ أكثر من ثلاثين عامًا مكتب إحدى كبريات الصحف العربية الخليجية في العاصمة المصرية، ولذلك كانت مصادفة أيضًا أن أستطيع فك شيفرة رداءة خطوط كثير من كبار الكتاب، وأن أراجع سطور عشرات من الصحفيين الذين صار بعضهم نجومًا على الفضائيات فأعيد الصياغة للبعض وأكاد أن أشق الهدوم من صدمة ضعف الإملاء وانعدام النحو والصرف وتلاشي الأمانة الصحفية عند بعض آخر!.. ولذلك ناديت وما زلت أنادي نقابة الصحفيين أن تتصدى للأمية الصحفية.. والثقافية.. والسياسية.. وأيضًا الأخلاقية، تلك التي تفشت في الوسط وصار البعض يتباهى بها، ويعتبر أن وصوله لكراسي رئاسة التحرير ولشاشة الفضائيات، رغم أميته المركبة، دليل على عبقريته وتفرده!

وكان مصادفة لمرة لا أعرف عددها أن زاملت عديدين ممن اهتموا بالعمل النقابي وتمرسوا فيه واحترفه بعضهم، وأن التقي بمن كانوا يستضيفونهم من العينة نفسها أثناء الترتيب لانتخابات المجلس أو النقيب.. وفي هذا تفاصيل ربما يأتي وقت يسمح بأن أكتبها وأنشرها.. من وجهة نظري طبعًا! وفي هذا السياق وارد أن أتذكر مخالفتي ذات مرة إجماع مجموعة من الناصريين على انتخاب شخص بذاته نقيبًا، وكتبت مؤيدًا منافسه، وكانت العقوبة التي أنزلوها على العبد لله هي منعي من كتابة المقال الدوري في "جريدة العربي" الناصرية! عدا عن حملات السباب والتشهير التي لم تترك شيئًا يخصني إلا ونهشته.

يعلم السادة الزملاء من قيادات النقابة ورموز النضال من أجل الحريات الصحفية والحريات العامة ما أعلمه معهم عن قيادات نقابية مصابة بوباء الأمية المركبة إياها.. وعن آخرين طرطش على ملابسهم وأبدانهم رذاذ شبهات الاستفادة غير المشروعة في سفريات الحج والعمرة، والسلع المعمرة والأراضي والعقارات والإعلانات والشيخ الفاسي والتطبيع مع العدو الصهيوني، ومجاملات إدخال السكرتيرات والمحاسيب في عضوية النقابة العتيدة.. ومع ذلك ورغم تكرار الحالات وفداحة المجاهرة بالمعصية النقابية والأخلاقية فإن النقابة لم تتخذ موقفًا حاسمًا رادعًا لأي من هؤلاء!

أكتب هذا ومستعد لأن أفصل بتفاصيل لا حدود لها فيما الجماعة الصحفية تخوض ما قد يرقى لمستوى المعركة الحقيقية من أجل الحريات الصحفية، ومن أجل الحفاظ على نصوص وروح الدستور المصري في هذا المجال، لأنني كنت وما زلت أعتقد أن أسلم وأقرب طريق لصون الحريات الصحفية وحقوق الجماعة الصحفية، هو أن تؤدي تلك الجماعة عبر نقابتها وبجهود نخبتها وقياداتها واجباتها الأساسية، وعلى رأسها إعادة تأهيل مئات الصحفيين المصابين بداء الأمية الهجائية والإملائية والنحوية والخبرية والثقافية والسياسية وأيضًا الأخلاقية.. والعمل على ضبط الأداء المهني بحيث لا تكون مهنة الصحافة هي الباب المفتوح على "البهلي" لطعن الوطن في أمنه ومقدراته وتماسكه وقوته وتوازنه ودوره في محيطه وفي العالم، إذ لا يمكن أن يكون الصحفي هو ذلك الطبيب الذي قيل إنه خرج على الملأ ليعلن أنه ضحى بالأم وبالجنين من أجل نجاح العملية! إنني أتساءل مع السائلين وبحق متى ستقدم نقابة الصحفيين على مساءلة بعض أعضائها ممن يعتبرون أنفسهم نجومًا في سماء الإعلام والعمل السياسي عن شبهات ترقى إلى وقائع حقيقية تمس ثرواتهم ومشروعاتهم وعلاقاتهم بالمال الإعلامي والمال السياسي في الداخل والخارج، وعن شبهات ترقى إلى المستوى نفسه تؤكد أنهم يجمعون بين الخدمة في بلاط صاحبة الجلالة السلطة الرابعة، وبين مسح بلاطات لسلطات أخرى؟!

نحن جميعًا ضد أي جور من السلطة التنفيذية على الدستور ولو بالقانون، وضد أي استبداد من أي نوع وأية درجة ومن أية جهة يعيدنا إلى زمن كانت نتيجته هي ما نعانيه من أهوال تفتت وتفكك ودمار وإرهاب، فما بالك إذا كان الجور والاستبداد موجهين للصحافة وللرأي.. ولا بد أن نكون جميعًا ضد كل ما سبق وذكرته عن أحوال الجماعة الصحفية.

أعلم أن البعض ممن أعتز بهم سيغضب من هذه السطور، وأكاد أسمعه معاتبًا مغاضبًا: "هكذا أنت دائمًا تختار أسوأ توقيت لتعبر فيه عن رأيك فتبدو وكأنك ممن يخالفون ليعرفوا.. كل كلامك صحيح ولكن التوقيت غير صحيح بالمرة.. إذ لا يجوز فيما الجماعة تخوض معركة مصيرية حاسمة أن يخرج واحد منها ليظهر فيها القطط الفطسانة"!

وأقول من ناحيتي إن المعركة هي أنسب ظرف للتطهير والتطهر.. وأنسب مناخ لتصحيح الأخطاء وتقويم المعوج والتخلص من الطوابير الخامسة!!.. ولأننا إذا مددنا الخيط ليصل من أرض الصحفيين إلى أرض الوطن فإننا سنجد أن الوطن يخوض معركة أعتى وأشرس وأشد خطورة من كل معاركه التي سبقت منذ الغزو الهكسوسي والفارسي والإغريقي والروماني، وهلم جرا إلى الاحتلال البريطاني والإسرائيلي، ولا يمكن وبالمعايير نفسها أن يكون الجيش والشرطة والشعب كله في هذه المعركة، وتجد من يطعن الوطن بالمعلومة المضللة، التي تفت في عضد المقاتلين وتقوض عزيمة الصامدين، وتشكك الجماهير وتفقدها الثقة في القائمين على الدفاع عن تراب الوطن واستقلاله وحضارته وثقافته ومستقبله، وأن نجد اختلاطًا وخلطًا معيبًا بين حق التفكير والتعبير والمعلومة وغيره من حقوق وثيقة الصلة بمهنة الصحافة وبين التضليل وتقويض أمن الوطن.. ولذلك فإن مقتضيات واجب الدفاع عن حقوق الصحافة مرتبطة أشد الارتباط بمقتضيات واجب الدفاع عن الوطن وأمنه وحضارته وثقافته ومستقبله..

تلك كانت كلمات تراكمت في فمي، الذي كان ملآنا بالماء، وأنتم تعلمون أن من في فيه ماء يعجز عن النطق.. ولكن أمام ضراوة ما تواجهه مصر كان لا بد من التخلص من أي ماء يعوق كلمة يعتقد صاحبها أنه إن لم ينطقها فإنه شيطان أخرس.

إنني أزعم أن الجهاد الأكبر للصحفيين ونقابتهم هو السعي الجذري لإصلاح الجماعة الصحفية، بحيث لا يبقى فيها عاهات مهنية وإعاقات بشرية.. وبعد إذن الذين سيغضبون بسبب "التوقيت" أسألهم متى هو التوقيت المناسب الذي لم يأت عبر أكثر من نصف قرن في حياة النقابة، ولماذا لم يقدم أحد على الإصلاح والتصحيح في فترات لم تكن فيها النقابة تخوض معركة مقدسة؟".
                         

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 27 أبريل 2017.

No comments:

Post a Comment