Thursday 23 February 2017

كيف لا يجهض الحلم؟




توالت التعقيبات حول حلم التنمية المحلية الذي حاولت الحديث عن بعض ملامحه في مقال الأسبوع الفائت، ولم تكن صدفة أن أجد شبه اتفاق جماعي على الأمل في علم وخبرة وسمات الوزير الدكتور هشام الشريف.. وأيضا على الشك والريبة والخوف إزاء أن تتمكن المعوقات الموجودة في صميم تكوين كثير من الدوائر الحكومية من حصار العلم والخبرة ومن تفريغ الأمل من مضمونه، لتستمر الدائرة المفرغة في دورانها ويستمر زرع الرياح وحصاد الهشيم!

تخوف كثيرون من وجود عشرات "اللواءات" الذين احتلوا المواقع القيادية في الوزارة والمحليات وهم بعيدون، بحكم التكوين التعليمي والوظيفي والمرحلة العمرية التي تركوا فيها الخدمة في وظائفهم الأصلية، عن إدراك طبيعة العمل في التنمية المحلية، ووجود قناعة راسخة لدى عدد غير قليل منهم أن الوظيفة المدنية محض مكافأة على فترة الخدمة في الجيش أو الشرطة، وأن أقصى ما يمكن أن يبذلوه هو ضمان الولاء للحكم وكفالة الهدوء والاستقرار، أو بالبلدي عدم السماح بأية "دوشة" من أي نوع!، وتلقفها المحترفون ليعم الفساد مقابل عدم الدوشة.

وتخوفوا أيضا من الخبرة التاريخية - بمعنى الراسخة زمنيا وليس الفريدة - للبيروقراطية المصرية في إجهاض أي سعي للبناء الجاد المرتكز على العلم وتطبيقاته، وعلى أسس حضارية وثقافية واعية من مضمونه، وهذا ما حدث منذ زمن الموظفين الذين جعلوا الفلاح الفصيح يصيح مستغيثا بالملك المصري القديم "الفرعون"، ومرورا بكل العصور حتى مصر الحديثة والمعاصرة، لدرجة أننا عشنا - جيلي وأجيال قبله - حقيقة السعي لبناء ليبرالي بدون ليبراليين.. ثم بناء اشتراكي بدون اشتراكيين ثم العودة لتوجه رأسمالي ليبرالي بدون ليبراليين وهلم جرا..

وصافحتنا الوجوه الكالحة نفسها التي ساهمت في إجهاض كل محاولة جادة وإفراغها من مضمونها!

وتستمر التخوفات لتصل إلى الذعر من أن يعمد أعداء التغيير وخصوم النجاح، الذين هم في طلاق دائم بائن مع العلم والمعرفة والثقافة، وبالتالي في عناق لا ينفصل مع الجهل والتخلف والأنانية والفساد - يعمدوا - إلى حصار الوزير ونصب الفخاخ له وتدبير المطبات ووضع أسياخ الحديد - وليس العصي فقط - في عجلة العمل بالعلم والثقافة!

وإذا كان حديث التخوفات مشروعا حتى يتم تلافيها، فإن من المشروع أيضا استكماله على جوانب أخرى، منها التخوف من استمرار عقلية وثقافة إلقاء كل الحبال على عاتق المسؤول وحده، وكأننا في حلبة ساحر أو حاو يؤدي ألعابه المبهرة فيما الجميع يصفقون من بعيد أو ينصرفون في صمت!.. وهذا الأمر ليس بسيطا بل هو في نظري موطن الداء وأس البلاء، وهو ما فطن إليه رئيس الجمهورية الذي لم يتوقف عن النداء بأنه وحده لن يستطيع إنجاز المهام المطلوبة لإنقاذ الوطن، ولابد من تضافر كل الجهود بين الناس وبين الحكومة والرئاسة.

أظن - وليس كل الظن إثما - أنه رغم كل السلبيات والإحباطات، فإن الواجب الذي ينبغي أن يتقدم لأدائه كل الخائفين على حاضر الوطن ومستقبله، هو التحرك باتجاهين، الأول: هو السعي للتعاون مع المسؤول - وهو في حالتنا هذه وزير التنمية المحلية - بالتقاط دعوته التي جاءت في جملة قصيرة أثناء زيارته لأسيوط، حيث دعا إلى إنشاء مجلس حكماء في كل محافظة، وبقي أن يدور الحوار الجاد حول الفكرة كيف تتم وما مهمة مثل هذه المجالس وكيف تفلت بدورها من أن تصاب بالأمراض المتوطنة في البنية الاجتماعية - الثقافية وهلم جرا، أما الاتجاه الثاني فهو التحرك الأفقي الحر في ربوع الوطن، واكتشاف وربما اختراع الوسائل والأشكال التي تبث روح النهضة الشاملة في الجسد المصري، فنحن لدينا مئات الجمعيات غير الحكومية ولدينا ألوف المبدعين من شعراء وقصاصين ورسامين وحرفيين مبثوثين في كل ثنايا المحروسة، ولا ينقصنا سوى اختراع شبكة تتقاطع فيها كل الخيوط لتشكل وعاء عاما مثلما هي شبكة الصيد في مياه البحر!.. وعندما يلتقي المتحركون في الاتجاهين، وحتما سيلتقيان، ينجلي الوجه الحقيقي للمحروسة الغالية التي كانت الأصل في قانون "التحدي والاستجابة" الذي رأى أهم فلاسفة التاريخ أنه أساس تقدم الأمم.

ولقد أدى تقاعس كتلة المتخوفين الواعين بحجم وعمق التحدي ووقفوا عند مرحلة التشخيص، حتى برعنا كلنا في مهارات التشخيص دون أن نتجاوزها للعلاج، إلى أن تتكاثر علينا التحديات.. وعدنا إلى التحدي الأول الذي واجهه السكان الأول للوادي.. تحدي التعامل مع النهر والصحراء والبحر ونجحوا في الاستجابة له، ولكنه عاد من جديد لنعيش الآن تحدي التصحر.. والتبحر - أي هجوم البحر على أرضنا من الشمال - وتحدي شح المياه اللازمة لاستمرار الحياة!

ثم حدث ولا حرج عن تحديات شرسة كلنا نتكلم عنها وفيها.. وعندي فإن الحل هو الاستجابة للتحديات على نطاق واسع باتساع مصر كلها.. من عمق ريفها وبواديها إلى حواريها ومدنها، ولا أدري هل يدرك سكان "المعازل - الكمبوندات" أنهم إن لم يشتركوا في الاستجابة المطلوبة فإن العواقب لن تفلتهم أم لا؟!

إن مرحلة "قلوبنا معكم" قد أضحت بالية لا تصلح للعمل الذي دقت ساعته وبعنف وإلا فهو الهلاك، لنكون في مرحلة سواعدنا وعقولنا وكل طاقاتنا مع من يبني ويريد السلامة للوطن.
                              

نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 23 فبراير 2017.

No comments:

Post a Comment