Wednesday 20 April 2016

دعوة للتواجد والانتشاء

 
أم كلثوم

من كثرة المناهدة في كل شيء.. في كل كبيرة وصغيرة.. أي من أول قضايا الوطنية والشرف والأرض والعرض والقانون الدولي، وقواعد ترسيم وتحديد الحدود، وتوسيع كامب ديفيد إلى آخر ملمح وجه ظهر على وجه رئيس الجمهورية وهو يتحدث، وحكاية المواطن المحصور، الذي احتاج الذهاب للحمام.. وأمور أخرى كلها تتجاوز "المناهدة" إلى العكننة الدائمة، وجدت لدي حنينًا جارفًا للاستماع إلى الكلمات والألحان التي طالما وقفنا نرددها بحماس وتدفق يأخذ بألبابنا حتى تدمع عيوننا!

الحنين.. كلمة سهلة لكنها جامعة مانعة، لم أجد لها مرادفًا يحمل معناها أو يحتمل مداها، إذ هي مشتركة بين كل ممالك الوجود من إنسان وحيوان ونبات وجماد، وفيها الأمل والألم والحب والود.. وقل ما شئت مما ليس منه بد..

وجدتني متواجدًا ـ من الوجد ـ مع "مصطفى صادق الرافعي" ومع "صفر علي" وأردد:
"اسلمي يا مصر إنني الفدا/ ذي يدي إن مدت الدنيا يدا/أبدا لن تستكيني أبدا/إنني أرجو مع اليوم غدا/ ومعي قلبي وعزمي للجهاد/ولقلبي أنت بعد الدين دين/ لك يا مصر السلامة / وسلاما يا بلادي/ إن رمى الدهر سهامه/ أتقيها بفؤادي/ واسلمي في كل حين".

ثم أسلم قلبي وعقلي ونفسي للعبقري رياض السنباطي، الذي لم يأخذ حقه فيما أعتقد حتى الآن، وهو الذي لحن لحافظ إبراهيم، ولتشدو الست بمصر تتحدث عن نفسها.. ولحن لرامي وللست أيضًا "مصر التي في خاطري"، ثم لحن لعبد الفتاح مصطفى وللست كذلك "طوف وشوف".. ولحن لبيرم التونسي وللست أم كلثوم شمس الأصيل!!

في "مصر تتحدث عن نفسها" نسمع الجمل الأولى الخالدة:
"وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبني قواعد المجد وحدي
وبناة الأهرام في سالف الدهر كفوني الكلام عند التحدي
أنا تاج العلاء في مفرق الشرق ودراته فرائد عقدي
إن مجدي في الأوليات عريق من له مثل أولياتي ومجدي
أنا إن قدر الإله مماتي لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي
ما رماني رام وراح سليما من قديم عناية الله جندي".

وبعد حافظ يأتي رامي الذي صاغ سلسلة الجواهر الفريدة التي أخذت كل الألباب:
"مصر التي في خاطري وفي فمي
أحبها من كل روحي ودمي
يا ليت كل مؤمن بعزها يحبها حبي لها
بني الحمى والوطن من منكم يحبها حبي لها".

واسمعوا معي ذروة الوجد في شدو الست:
"لا تبخلوا بمائها على ظمي وأطعموا من خيرها كل فم
أحبها للموقف الجليل من شعبها وجيشها النبيل
دعا إلى حق الحياة لكل من في أرضها
وثار في وجه الطغاة مناديا بحقها
وقال في تاريخه المجيد يا دولة الظلم انمحي وبيدي
صونوا حماها وانصروا من يحتمي
ودافعوا عنها تعش وتسلم
يا مصر يا مهد الرخاء يا منزل الروح الأمين
إنا على عهد الوفاء في نصرة الحق المبين".

ومن "طوف وشوف" إلى "شمس الأصيل"، نحن أمام لوحة إلهية لا يبدعها إلا خالق معصوم من أن ترى في خلقه تفاوتا.. نحن أمام طبيعة مصر:
"طوف بجنة ربنا ببلادنا واتفرج وشوف
ضفتين بيقولوا أهلا والنخيل شامخ صفوف
وابتسامة شمسنا أجمل تحية للضيوف
والنسيم يرقص بموج النيل على الناي والدفوف

والجنود اللي بيحموا مجدنا من كل عادي
الصفوف اللي يبنوا بعزمهم نهضة بلادي
اللي خطوتهم تبوسها أرضنا وتقول ولادي
نادوا بالحرية قام الشعب واتحدى المحال
والأمل أصبح عمل والخيال أصبح نضال
هي دي ثورة بلادي اللي حققها جمال".

ومن نيل عبد الفتاح مصطفى إلى نيل بيرم:
"شمس الأصيل دهبت خوص النخيل يا نيل
تحفة ومتصورة في صفحتك يا جميل
والناي على الشط غنى والقدود بتميل
على هبوب الهوا لما يمر عليل!!".

بعدها يطمئن الوجدان بالتواجد مع واسطة العقد الفريد.. مع كلمات يونس القاضي ولحن سيد درويش الذي أعاد توزيعه محمد عبد الوهاب:
"بلادي بلادي بلادي
لك حبي وفؤادي
مصر يا أم البلاد
أنت غايتي والمراد
وعلى كل العباد
كم لنيلك من أيادي
مصر يا أرض النعيم
فزت بالمجد القديم
مقصدي دفع الغريم
وعلى الله اعتمادي
مصر أنت أغلى درة
فوق جبين الدهر غرة
يا بلادي عيشي حرة
واسلمي رغم الأعادي".
أظن كفاية مناهدة وتحطيم في كل شيء، وكفاية قبح في قبح مساء صباح، وتعالوا نتواجد ونتمايل وننتشي.

نشرت في جريدة المصري اليوم بتاريخ 20 أبريل 2016

No comments:

Post a Comment