Thursday 24 October 2013

الإخوان والسلفيون‏..‏ والمثقفون

 
لوحة كاهن مصري يدخل المعبد للودفيج دويتش
ملاحظة تستحق الانتباه صادفتني فيما أتابع النشر الإلكتروني لما أكتبه في الأهرام كل أسبوعين‏،‏ وهي أن عدد الذين يقرأون إلكترونيا الموضوعات التي تتصل بتيار الإخوان والسلفيين يقترب من الألف قارئ أحيانا، ويتجاوز أحيانا أخري.

بينما كان عدد الذين اهتموا بقراءة المقال الأخير ـ قبل15 يوما ـ عن مؤتمر المثقفين يقترب من مائتي قارئ أي حوالي واحد علي خمسة! رغم أن ما كتب عن مؤتمر المثقفين تجاوز أمر الثقافة بمفهومها الضيق إلي مفهومها الواسع، الذي يحوي كل ما يتصل بشئون الحياة.. ومن ثم فإن استمرار الكتابة فيما يخص الحركات السياسية التي ترفع المصاحف علي رماح الصراع السياسي الاجتماعي الاقتصادي الدنيوي تبدو أكثر إغراء للكاتب، وتبدو علامة جديدة مضافة إلي علامات أخري سابقة تؤكد اهتمام الناس بالسياسة والدين، وربما الجنس الذي لم أجرب الكتابة فيه أو عنه، وهي علامات تعيد التذكير بأننا مجتمع مازال ضمن تصنيف النمو والتخلف.

إنه إغراء ـ كما قلت ـ للاستمرار في العزف علي ذلك الوتر، وبالتالي فإنه يطرح مشكلة حقيقية تواجه أي كاتب يحترم قارئه وقلمه ألا وهي كيفية المعالجة ومدي جديتها ومدي ما تقدمه من جديد، سواء علي مستوي تحليل ما هو قائم وحادث بالفعل أو مستوي الرؤية المستقبلية بجوانبها المختلفة فكريا واجتماعيا وسياسيا.. وكذلك محليا وإقليميا وعالميا.

ثم إن قضية الموضوعية في معالجة أي ظاهرة أمر مختلف تماما عن شعار الحياد، لأنني ممن يذهبون إلي أن الحياد أمر صعب التطبيق، بل ربما هو مستحيل حتي في المعامل العلمية، إذ قيل قديما: إن العالم أو الباحث في الكيمياء والفيزياء وما شابههما يمكن أن يميل في تقريب النتائج إلي ما استقر في ذهنه قبل وأثناء التجربة، فما بالك بالمسائل المرتبطة بالسياسة والاجتماع وما شاكلهما.. وعلي ذلك فالموضوعية لا ولن تترجم إلي حياد بين الخيارات.. ومسبقا أقول: إنني منحاز إلي فهم محدد للسياق التاريخي المصري الحديث والمعاصر، ويقوم هذا الفهم علي أن الصراع ـ وهو قانون يحكم حركة التاريخ ـ كان منذ أواخر القرن الثامن عشر وإلي الآن وحتي أمد طويل ـ ربما ـ مقبل هو بين اتجاهين في الحياة العامة المصرية، اتجاه تقليدي محافظ يقدس المتون ويتوحد بها في شروحه لها، ويتخذ من الدين ـ عموما أي إسلام وغير إسلام ـ قاعدة ودرعا وسيفا ورمحا، واتجاه آخر يدرك أهمية العقل والتعامل مع الظواهر الاجتماعية باعتبارها فعلا إنسانيا تراكميا خاضعا للتطور والتغير، ويري في الدين مكونا رئيسيا في الوجدان الاجتماعي العام، ومصدرا مهما من مصادر القيم الأخلاقية العليا، وأنه في البداية والنهاية علاقة بين الإنسان وبين الله سبحانه وتعالي لا يحق لأحد أن يتدخل فيها، ولا أن يدعي لنفسه القوامة علي غيره فيما يخصها. لذلك كله أذهب مع الذاهبين إلي حتمية الفصل بين المقدس الديني وبين الممارس الوضعي، وأري أن تلك الممارسة الوضعية بدأت منذ فجر الإسلام، وتجلت بقوة في المفاوضات بين المهاجرين وبين الأنصار في اجتماع السقيفة التأسيسي، الذي رفض فيه المهاجرون تقسيم المناصب أو تداولها، وكان التقسيم والتداول فكرة طرحها الأنصار بعدما رفض المهاجرون أن يكون الأمير من الأنصار الذين بادروا وقالوا: منا أمير ومنكم أمير.. ثم لكم الإمارة ومنا الوزارة.. ولكن هذا كله تم رفضه إلي أن آلت الإمارة لبني أمية فجعلوها ملكا عضوضا يورث، وانتقلت القاعدة إلى من صارع على الحكم بالسيف والدهاء بعد ذلك، وبقيت الخلافة نظاما مستبدا ووراثيا إلي أن مضت فيها سنة الله في خلقه فشاخت ونخرها السوس وطويت صفحتها.

وتبقي المشكلة القائمة التي أشرت إليها في السطور السابقة، وهي ماذا يمكن أن يقدم الكاتب من مادة محترمة تلبية لرغبة قارئه، خاصة إذا كانت تلك الرغبة متصلة بقضية قماشتها محدودة مهما كان عرضها، ويتناوب عليها معظم إن لم يكن كل الذين يكتبون في الشأن المصري العام؟!

أظن أن الإجابة لا يمكن اختصارها في مقال، والوارد هو بعض الإشارات لما يمكن السعي للكتابة فيه، ومن هذه الإشارات ما اسميه التعمق في فهم الظاهرة بالبحث في تفاصيلها الدقيقة الميكروسكوبية، وما اسميه بردم الفجوات بين ما هو ممارسات سياسية وبين ما هو تأصيل علمي.. علما بأن التاريخ علم له مناهج بحث وأدوات بحثية ويتصل به في صميمه قواعد النقد التاريخي، كما يتصل به العديد من العلوم المساعدة، وهذا كله وغيره موجود في المراجع الخاصة بمناهج البحث التاريخي.. وقد ذكرت ما يتصل بالتاريخ حتي لا يظن ظان بسوء نية أو حسنها أن الغوص في تاريخ ما يسمي بالتأسلم السياسي هو هروب من التصدي الواجب للأحداث الجارية.

إنني لا أنكر أنه تحد حقيقي، وسأحاول أن أواصل ما اعتدت عليه، وهو أن أذاكر وأن أفهم قبل أن أكتب.. وفي هذا السياق أذكر أنني عدت إلي العديد من المصادر والمراجع عندما كتبت في الأهرام عن ابن تيمية وحسن البنا، وعن أصل حكاية السيفين اللذين اتخذهما حسن البنا وجماعته شعارا لهم، وكان أشد ما أرهقني هو الاطلاع المكثف علي فتاوي ابن تيمية وعلي رسائل حسن البنا.. ويبقي موضوع المثقفين ومؤتمرهم، الذي لم يلق إقبالا من القراء ظاهرة تستحق المزيد من البحث والفهم.
                              
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 24 أكتوبر 2013

No comments:

Post a Comment