Thursday 1 August 2013

المتأخـر كثيـرا

 
لوحة معلم في مدرسة للودفيج دويتش
في مقاله اليومي بجريدة الشروق كتب الأستاذ فهمي هويدي يوم الأربعاء‏3 يوليو 2013 تحت عنوان ذكر لبعض ما جري، ساردا وقائع مبادرة اعتمدت علي فكرة للصديق نبيل مرقس، وشارك في بلورتها المستشار محمود الخضيري وآخرون، وطلب إلي كاتب ذلك المقال أن يجد طريقا تصل به المبادرة الهادفة للتوفيق والإصلاح للرئيس ـ آنذاك ـ محمد مرسي، ولم يجد هويدي سوي الدكتور مهندس محمد علي بشر ليوصلها للرئاسة.. وانتظر أصحاب المبادرة النتيجة.. ولكن يمكن أن نعرف المحصلة النهائية من خلال قراءتنا للسطرين الأخيرين من مقال هويدي المنشور يوم 3 يوليو 2013، وأدعو كل مهتم أن يعيد قراءته للأسباب التي سأذكرها لاحقا.. ففي السطرين إياهما كتب هويدي بالحرف: لا أعرف ما إذا كان الجيش قد تعجل في الدخول علي الخط أم لا، لكنني أعرف جيدا أن الرئيس مرسي تأخر كثيرا في الإنصات لصوت الشارع!! علامات التعجب من عندي!

يعني يا جماعة الخير كانت هناك مبادرات قبل أن تقع الفأس في الرأس.. ومقدمة من تنوع فيه مصريون مسيحيون.. وفيه محسوبون علي الإسلام السياسي.. وفيه شخصيات عامة، كان لها دور واضح في معارضة مبارك، وفي ذلك التنوع يوجد كذلك من هم من صميم نظام الإخوان ومرسي كالدكتور بشر!.. ومع ذلك صموا آذانهم وكفوا أبصارهم وطمسوا بصائرهم.. ولذلك قال هويدي يوم 3 يوليو 2013: أعرف جيدا أن الرئيس مرسي تأخر كثيرا في الإنصات إلي الشارع.

ثم بعد أن أدي التأخر كثيرا في الإنصات لصوت الشارع ووقعت الفأس في الرأس ومارس الشارع ذاته الفاعلة، وهي ذات لها طبيعة خاصة أشبه ما تكون بفيضان النيل الجبار، وكان حتما مقضيا أن يزول حكم من لا ينصت للشارع، الذي أتي به، الذي استمد منه الشرعية قبل الصناديق وبعدها، وكان حتما كذلك أن يتم الانكشاف التاريخي لمجمل الأطروحة السياسية، التي رفعت العقيدة الدينية والمصاحف علي أسنة رماح صراع سياسي دنيوي بحت ـ بعد ذلك كله ـ نفاجأ بما لا يمثل مفاجأة بحد ذاته، ولكن المفاجأة تكمن في السرعة الفادحة التي كشف بها أصحاب تلك الأطروحة ما عندهم!

إنني أقصد بأصحاب الأطروحة طيفا يضم الأحزاب والقوي ذات المرجعية الدينية، وهم الإخوان وحلفاؤهم وأمثالهم.. ويضم من صنفوا لفترة استطالت باعتبارهم مفكرين إسلاميين مستنيرين بوسطيتهم وبأخذهم للمتغيرات الكونية في اعتبارهم وهم يقدمون أفكارهم، ويضم كذلك تنظيمات خارجية ومحطات فضائية ودولاً راعية!

لقد بدأ أولئك المفكرون أمثال البشري والعوا وهويدي وكأنهم يتنصلون تماما من العوار المذري، الذي وصل إليه حكم الإخوان ولخصه هويدي في مقاله تأخر كثيرا في الإنصات إلي صوت الشارع، وهي عندي عبارة جامعة مانعة، لأن التأخر ممن هو في موقع رئاسة مصر ليس كتأخر موظف في جامعة الزقازيق عن بداية المحاضرة أو عن تسليم أوراق الامتحانات في موعدها!.. ولأن كثيرا تنصرف إلي الوقت.. وإلي المضمون معا وتحمل دلالة لا تحتمل الشك تفيد أنه تأخر عمدي مقصود.. لأن تكرار الفعل والإكثار منه يعني الإصرار عليه!

أما صوت الشارع فهو ليس فقط زئير الحشود في 30 يونيو وما بعدها، ولكنه مع ذلك الزئير يشمل أنين أمهات من صرعتهم اليد الغادرة الآثمة في سيناء، وفي الاتحادية وغيرهما.. وأنين الآباء الذين لا يستطيعون الوفاء باحتياجات أسرهم.. وصراخ الذين لايجدون وقودا لسياراتهم التي يأكلون من ورائها.. ولا يجدون كهرباء تبدد ظلمات حواريهم وبيوتهم.. إلي آخر ما ضج به الشارع في الاثني عشر شهرا الكابوسية.

بدوا وكأنهم يتنصلون عندما ارتفعت عقائرهم بإدانة التلاحم بين الشعب والجيش لإنقاذ البلاد من تأخر مرسي كثيرا، وعندما أطلقوا مبادرات تعيد ذلك المتأخر كثيرا ومعه أهله وعشيرته الذين أظنهم هم المسئولون المباشرون عن تأخره الكثير في الإنصات للشارع، لأنه أذنيه لم تكن تسمع إلا منهم، لقد تحدثوا في وصفهم لما حدث من أرضية قانونية.. ثم إذا بهم وهم يطلبون تسوية الأمر يقفزون علي حقيقة أن المتأخر كثيرا وصحبه وجماعته أضحوا ماثلين أمام سلطات التحقيق القضائية بتهم فيها التخابر والإثراء غير المشروع، والقتل والشروع فيه والإساءة للقضاء ولغيره وهلم جرا.

لقد كفوا بصرهم وصموا آذانهم عن أن الإخوان جماعة غير قانونية.. وعن صيحات الاقتتال المسلح والتهديد ببحار الدم وبالسيارات المفخخة التي علت بها حناجر بديع وعبد الماجد والبلتاجي والعريان وحجازي وغيرهم، ثم عن تحول هذه الصيحات إلي فعل عملي يمزق خلايا وطننا الحية في سيناء وفي الصعيد وفي الدلتا.. ولم يلتفتوا إلي تصريحات جنرالات رابعة العدوية عن أنهم قادرون في ثانية واحدة علي إيقاف الهجمات الإرهابية في سيناء إذا عاد مرسي وعادت سلطتهم!

ولقد سمعت وقرأت أن العوا نزع عن جيش مصر ما تفضل به سيدنا رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ من وصف لأبنائه بأنهم خير أجناد الأرض. وكنت أنتوي أن أكتب في الموضوع، ولكنني فضلت التعفف، لأن الأمر بات منحصرا بين العوا وبين الرسول الأعظم صلوات الله عليه وآله وسلم، لأن الرسول إذا كان قد قالها بنصها، وألمح إليها ولو من باب وصيته بقبط مصر، أي المصريين، فإن العوا يكون قد دخل في الدائرة التي يعرفها جيدا.. وتعففت أيضا لما سبق وأن خبرته معه بنفسي، وكانت إحدي وقائعه في أثناء حوار ثلاثي ضمه وهشام الناظر السفير السعودي السابق، وكاتب هذه السطور، حول العائلة المقدسة.. أي ستنا مريم وسيدنا عيسي ويوسف النجار رضي الله عنه.. وربما تأتي المناسبة لأكتب عن ازدواج الخطاب لدي أولئك المستنيرين!

إن المبادرات التي تأتي بعد التأخر كثيرا في الإنصات لصوت الشارع المصري، تعني مباشرة الدعوة لإهمال صوت هذا الشارع وكأنه غير موجود، وتعني إهدار الإرادة الشعبية وكأنها منعدمة.. وتعني التمكين مرة ثانية للذين أضحوا مجرحين ـ وليس مجروحين ـ وموتورين، وأصحاب ثأر بايت مع شعب مصر وجيشه، الذي هو خير أجناد الأرض، شاء أم أبي، ذلك الذي ليست له جذور مصرية.. وأضحي فيما يبدو متنصلا من جذوره العربية، لأن تربيته الأيديولوجية تجعله عابرا للأوطان وللقوميات.. ومع الأممية المذهبية، حتي وإن كان زعماؤها جنرالات رابعة العدوية.
                           
نشرت في جريدة الأهرام بتاريخ 1 أغسطس 2013

No comments:

Post a Comment